تعد زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، إلى شمال شرق سوريا ولقاؤه بتنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي، في القاعدة العسكرية الأمريكية، من الأحداث المهمة التي يجب مناقشتها.
القائد الأعلى رتبة لحليفك يلتقي بالمنظمات الإرهابية التي تعد عدوك اللدود لتجديد الاتفاق ضد تنظيم إرهابي أخر "داعش". بالطبع هذا الأمر يستخدمونه ذريعة لتغطية أفعالهم.
بغض النظر عن الطريقة التي تظهر بها انزعاجك إزاء ذلك، فلن تشعر بالارتياح. هذا هو الوضع...
تركيا تعرف معنى هذه الزيارة. فعندما تستدعي وزارة الخارجية التركية السفير الأمريكي لطلب توضيح حول هذه الزيارة فهي تقول لهم نريد في الواقع أن نرى كيف تتصرفون. وهذا البروتوكول معناه "نحن نتابعكم، نعرف ما تفعلونه، نحن نراقبكم"
لا يوجد أحد لا يعرف عن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة. القيادة المركزية للجيش الأمريكي (سنتكوم) هي الراعية والحامية والداعمة لهذا الوجود. ولكن
لماذا كل هذه الأهمية الآن؟ بما أن داعش ذريعة ومجرد هراء، فلماذا تمد يد العون لتنظيم بي كي كي لهذه الدرجة؟ لماذا تبقى لفترة أطول في سوريا؟
هل قائد الجيش الأمريكي، قادم لتفقد وحدة عسكرية بشمال شرق سوريا مكونة من 900 جندي!؟ وهو الذي يكرس وقته ضد روسيا والصين ويعد الطرف المنفتح على أوكرانيا، الدولة المركزية للحرب العالمية.
أجرى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، زيارة إلى تل أبيب قبل أن يزور شمال شرق سوريا. والتقى في تل أبيب بكل من وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الأركان الإسرائيلي. لم يدل الجانبان بأية تصريحات حول ما تمت مناقشته، لكننا نعلم أن إيران هي البند الأول على الطاولة. لأنهم قالوا ذلك.
والأمثلة الأكثر وضوحا هي زيادة الحساسيات الأمريكية والإسرائيلية تجاه إيران في الأشهر الأخيرة، والتي تجاوزت خطابها السياسي العام عبر تجديد المخاوف النووية. ويمكننا ذكر الأخبار التي ظهرت ومنها "إيران تحتاج إلى 12 يوما لإنتاج قنبلة نووية"، و"حركات الاحتجاج المحلية"، و"تسميم ألفي طالبة في المدارس الإيرانية، والمزاعم القائلة بأن طهران هي المقر الجديد لتنظيم القاعدة.
وهناك حقائق في السياسة الخارجية فقد وصلت العلاقات الإيرانية الروسية إلى مرتبة العلاقة الاستراتيجية، سواء من خلال "تبادل الأسلحة" والدعم في أوكرانيا، وأيضا العلاقات الإيرانية والأذربيجانية والأرمينية ، والعلاقات الصينية الإيرانية، وأخيرا إضافة سوريا إلى صيغة أستانا، ومطالب طهران لكي تلعب دورا في عملية مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، وتوقيع إيران لاتفاقية تعاون عسكري مع دمشق، ووضع منظومات/صواريخ دفاع جوي في المنطقة التي ضربتها إسرائيل
إن عملية التطبيع بين سوريا وتركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية وروسيا والصين وإيران تحشر الولايات المتحدة في الزاوية.
وللتذكير بالموقف الصيني في سوريا. اتهمت إدارة بكين الولايات المتحدة بأنها تنهب سوريا ووصفت بكين واشنطن بعبارات شديدة اللهجة. وقالت بكين إن الوجود الأمريكي في سوريا يزعزع استقرار البلاد ويقوض الحل السياسي، كما اتهمت الولايات المتحدة بالفساد والنفاق.
وكما أشرنا سابقاً فإن زيارة هيئة الأركان الأمريكية المشتركة إلى شمال شرق سوريا تزعجنا في المقام الأول. لكن هذه الخطوة تعد أساسا لمبادرة أوسع في المنطقة. وازدادت الأقاويل التي تفيد بأن الولايات المتحدة فتحت جبهة ضد إيران . ومن أجل الحفاظ على وجودها في سوريا، قد تخلق أمريكا فوضى جديدة من أجل إيقاف الظرف الحالي. يجب الانتباه لهذا الأمر.
بعد زيارة ميلي، بدأ وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن جولته في الشرق الأوسط. واليوم ينهي زيارته. لقد زار ليلة أمس بغداد. وكان قد أجرى زيارة إلى مصر والأردن وإسرائيل. هذه المرة، أدلى للصحفيين أن إيران كانت على جدول أعمال زيارته!
وتندرج المناورات العسكرية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة في كانون الثاني/يناير من العام الحالي ضمن نفس التسلسل الزمني. ووصفت وسائل الإعلام الرسمية الإسرائيلية المناورة بأنها "أهم مناورة عسكرية بين البلدين على الإطلاق" .
فماذا يعني هذا بالنسبة لنا؟
بالنظر إلى إيران على أنها رأس الحربة، فإن عدم ارتياح الولايات المتحدة يعود إلى احتمال سيطرة الروس والإيرانيين والصينيين على البحر الأسود عبر بحر قزوين وجنوب القوقاز، والتي أصبحت السيطرة الأمريكية الآن على هذه المناطق عديمة الوزن. كان هذا هو السبب في أن وزير الخارجية بلينكن زار خمس دول في آسيا الوسطى قبل انعقاد مجموعة العشرين.
أما في حالة تركيا، لا يريدون أن يروا جبهة تركية روسية إيرانية أذربيجانية. لأن مثلث تركيا وأذربيجان وإسرائيل في أذهانهم!
كما تهدف زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، إلى شمال شرق سوريا والتصريحات التي أدلى بها إلى إراحة البيت الأبيض. فقد تمت مناقشة العمليات العسكرية الأمريكية في مناطق معينة (بالإضافة إلى أوكرانيا) بشكل متكرر في واشنطن.
وهنا قدم الجنرال ميلي لبايدن ورقة رابحة عندما قال "وجودنا هنا يستحق المخاطرة" وأراح القيادة المركزية الأمريكية، المسؤولة عن إراقة الدماء في الشرق الأوسط.
هناك العديد من الأسباب وراء وجود أمريكا في سوريا: العلاقات التركية الأمريكية! وحماية إسرائيل، وعرقلة روسيا والصين وطهران، والنفط، وأن واشنطن حليف لتنظيمي بي كي كي وداعش، وتقسيم سوريا والعراق، إلخ...
أؤكد مرة أخرى... إن زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية ووزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين لا تبشر بالخير. فعلى الجبهة الأخرى، يتم مراقبة ما سيحدث في شهر مارس/أذار. وهذا أمر بالغ الأهمية فالرئيس الصيني سيزور موسكو. رئيس النظام السوري سيزور روسيا. وهناك أنباء تشير إلى أن الاجتماع التركي- الإيراني-الروسي-السوري بشأن عملية التطبيع سيعقد في مارس/أذار. وهناك أقاويل تفيد بأن العملية الروسية المتوقعة في أوكرانيا ستبدأ في مارس/أذار.
خلاصة الأمر: إن الأمور متشابكة. ونحن بتركيا لدينا ست طاولات وسبعة نواب رئيس في المستقبل وستة بدلاء.