شعرت بالخجل عند المشاهدة. شعرت بالحرج من أجل بلدي. شعرت بالحرج من أجل هذه الأرض.
لقد شعرت بالغضب وأنا أشاهد لقطات مصورة تظهر امرأة عنصرية تعتدي على أمهات سوريات مع أطفالهن وتطردهم جميعا من حافلة للنقل العام. ولكنني شعرت بالخجل ألف مرة من شعبنا الذي اكتفى بمشاهدة هذا الحدث غير الإنساني ولم يتدخل.
لا يمكن أن يكون هذا بلدي. تلك المرأة العدوانية العنصرية التي اعتدت لفظيا وجسديا بكراهية لا يمكن أن تنتمي إلى هذه الأرض. والذين لم يرفعوا أصواتهم في وجه ذلك الاعتداء الشائن لا يمكن أبداً أن يكونوا من شعب هذا البلد.
شعرت بالخجل لأننا ننتمي إلى نفس الدين. شعرت بالخجل لأننا ننتمي إلى نفس الجنس البشري. شعرت بالحزن لأننا ننتمي إلى نفس الأمة. فنحن أمة تفتخر بكونها حامية المظلومين، وتمثل الحكمة والحضارة والإنسانية.
ماذا حدث لنا؟ أين ذهبت هذه القيم؟ لنفترض أن هذا السلوك خرج من شخص غير سوي لماذا اكتفى الآخرون بالصمت، لماذا لم يعترضوا على تلك الإهانات والاعتداءات الخطيرة وتركوا ضمائرهم وإنسانيتهم تغرق في ظلام الليل؟
أنا أحب شعب منطقة "غيديز" وأعرف أنهم بعيدون عن هذه التصرفات. لكن يجب أن يعلم الذي اعتدى والصامتين أنهم وضعوا وصمة عار ليس فقط على جبينهم، بل على جبين شعب غيديز المخلص والشجاع وجبين الإنسانية كلها. ومن وجهة نظري أي شخص كان في تلك الحافلة ولم يتدخل هو مذنب أكثر ألف مرة من المعتدي الذي يحمل هذه العقلية العنصرية البشعة. كيف يمكنك العودة إلى المنزل والنوم وأن تملك قلباً أكثر قتامة من ظلام الليل؟ كيف تداعبون أطفالكم وتمسحون على رؤوسهم، بأي وجه تنظرون إلى وجوه زوجاتكم؟
ماذا لو أن هؤلاء النساء هن زوجاتكم وتعرضن لنفس الموقف في ألمانيا، ماذا لو كان هؤلاء الأطفال الأبرياء هم أطفالكم، كيف ستشعرون، كيف ستتصرفون؟ أنا متأكد من أنكم ستغضبون إذا تعرضت زوجاتكم وأطفالكم لمثل هذا الاعتداء. يمكنك أن تطلق على الألماني الذي يفعل ذلك عنصريا أو عدوا للإسلام..إلخ.
لا أعرف من هي تلك المرأة التي هاجمت ثلاث أمهات سوريات بكراهية وعداوة كبيرتين. لكنني أعرف عقليتها بشكل جيد. هذه العقلية لم تعتدِ على هؤلاء النساء لمجرد أنهن سوريات. بل بسبب حجابهن.
نعم، إن العداء الحقيقي الذي تحمله هذه العقلية هو الحجاب الذي ترتديه تلك النساء. ولو كان في الحافلة نساء دون حجاب ويرتدين الملابس القصيرة، فلن تكون هناك مشكلة على الإطلاق. حتى لو أن هؤلاء كن سوريات فسوف يصفقون لهن ويقولون "هذه المرأة السورية المعاصرة!" بل سيقولون باحترام ومدح: "لا مشكلة بالنسبة لهم أن تكون تلك النساء سوريات.
ولم تتعرض تلك النساء لتلك الكراهية والقمع اللاإنساني لأنهن سوريات. هذا السلوك الاستبعادي القاسي لا يتعلق بكون هؤلاء النساء أجنبيات. فخطاب الكراهية الشائن الذي أطلقته المعتدية لا يمكن تفسيره إلا أنه مظهر من مظاهر العنصرية أو كراهية الأجانب.
أليس هناك عنصرية؟ بالطبع يوجد. أليس هناك كراهية للأجانب؟ لا شك أنه يوجد.
هذا ليس الدافع الحقيقي وراء هذا العمل الشائن. العنصرية وكراهية الأجانب هما مجرد غطاء يخفين وراءهما الدافع الحقيقي. لأن نفس التهميش والكراهية والعداوة تُرتكب بحق نساء هذا البلد. فكونك من نفس العرق لا يمنع حصول نفس الاعتداء عليك. نساؤنا، اللواتي ينتمين إلى نفس العرق ولكنهن لا ينتمين إلى عقليتهن، يتعرضن أيضا لنفس الاضطهاد في بلدهن مثل ما تتعرض له النساء السوريات.
هؤلاء النساء تعرضن للاضطهاد ليس لأنهن سوريات، بل لأنهن محجبات. فنحن لدينا نساء تركيات يتعرضن لنفس السلوك في شوارع وحافلات هذا البلد.
علاوة على ذلك، ينهضون ويقولون "أردوغان الديكتاتور!" دون خجل. يقولون إن هناك "نظام قمع ديني" في البلاد. ويزعمون أننا نستقطب البلاد.
هذه هي عقليتهم! مذنبون ويصرخون أنهم على حق!
العنصريون، الذين يصنعون في تركيا المشاعر المعادية للسوريين، ويزرعون بذور العنصرية، يواصلون نشر هذه العقلية. فهم يرون أن امرأة مسيحية أوكرانية "ترتدي ملابس عصرية" على حد تعبيرهم وغير محجبة أفضل من امرأة تركمانية سورية متدينة ترتدي الحجاب.
هذه العقلية لا علاقة لها بالعنصرية. نحن بلد فريد من نوعه، حيث تسمى العقلية التي تستبعد وتضطهد أبناء عرقها بسبب اختلاف عقليتهم، ولكنها تُفضل أولئك الذين ليسوا من عرقها تتوافق مع عقليتها، تسمى بالعنصرية. إن فهمنا للعنصرية أمر فريد نوعه لدينا.
ثلاث نساء أمهات يتعرضن مع أطفالهن لاعتداء لفظي وجسدي ويُطردون جميعهم من الحافلة. أين الذين يقولون نحن حساسون تجاه قضية "العنف ضد المرأة!"، لماذا صمتوا ولم يتدخلوا لإيقاف هذا العداء أم أنهم يحملون نفس العقلية؟
لكن أولئك الذين يزعمون أنهم حساسون تجاه العنف ضد المرأة، وجدوا أن هؤلاء النساء السوريات مختلفات بسبب ملابسهن.
ولهذا السبب كانوا يصفقون دائمًا للقمع الذي يتعرض له نساء هذا البلد بسبب حجابهن.
لو كان في تلك الحافلة نساء أوكرانيات، أو نساء دون حجاب، لرأيتم كيف سيحترمونهن ويمدحون بهن! ولو حدثت نفس الحادثة لنسائنا التركيات في ألمانيا أو هولندا لرأيتم كيف ستتصرف بعض الفئات المستفيدة من العنصرية!
هذا هو السبب في أن أولئك الذين يضخون العنصرية وكراهية الأجانب هم مؤيدون صامتون. لأن المعتدى عليهن هن سوريات ومتدينات يرتدين الحجاب. ولذلك، فإن تعرضهن للعنف لا يتعلق على الإطلاق بتلك الجمعيات النسائية المعروفة.
لو تم التعامل مع النساء الأوكرانيات أو النساء غير المحجبات في هذا البلد في تلك الحافلة، لكنت شككت في إنسانية الشخص. لأنه في مبدأ إيماننا وإنسانيتنا أن نحب المخلوق من أجل الخالق.
العنصرية وكراهية الأجانب جرائم ضد الإنسانية. وتهميش الناس لأنهم يفكرون ويعيشون بشكل مختلف عنك، ورؤيتك لهم كأعداء يجب القضاء عليهم، هي جريمة ضد الإنسانية.
لماذا يفعلون ذلك ومن أجل من؟ بغض النظر ما هو دين وعرق الجاني، ودين وعرق الشخص المُعتدى عليه! يجب أن ندين الظالم كعدو مشترك لنا جميعا، ونقف إلى جانب المظلومين حتى تحيا البشرية جمعاء!