نرى أن مناقشات النظام تبرز في مقالات بعض الكُتاب الأتراك حول مواضيع الزلازل في الصحف الأجنبية. وبهذه الطريقة، تعود جذور التقاليد المتمثلة في ربط أي مسألة تقريبا بمناقشات النظام إلى زمن بعيد، ولكن يجب ألا نبتعد عن تطورات اليوم. وربما من خلال توضيح الحاضر بشكل كافٍ، يمكن أن تتاح لنا الفرصة للنظر إلى قضايا الماضي برؤية جديدة. لذلك سأسلط الضوء خلال عقد من الزمن على ربط كل قضية تقريبًا بمناقشة النظام داخليا وخارجيا. في البداية نجد أن مقالات الكُتاب المنشورة في الصحف الأجنبية لم تشكك في وجهة النظر الأوروبية.يشكل الكُتاب والسياسيون الذين يتبنون نفس وجهة النظر بين المطلعين عددًا كبيرًا.
نحن نعلم أن الكُتاب الذين يشاركون في المناقشات حول تركيا، داخليًا وخارجيًا، يُبرزون موضوع "الانهيار". ووفقا لهم فإن الوقت الذي سيمر حتى ذلك الحين (حتى حدوث الانهيار) طويل جدًا. تركيا على وشك الانهيار اليوم أوغدا. يقولون إن هناك انهياراً في كل المجالات كالاقتصاد والعدالة والتعليم والإعلام والدراسات العلمية والأمن، وأردوغان أو العقلية التي يمثلها، التي يقولون إنها هي المسؤولة عن ذلك. أود التشديد على مصطلح "العقلية" بشكل خاص، لأن حتى الأشخاص الذين تركوا أردوغان يشددون عليها. إن تعبيرات مثل "نظام الرجل الواحد" تدل على ذلك. في الواقع، هذه المجموعة الجديدة لا تتقبل حتى التفكير بأن الانهيار قد يكون اليوم أو غداً، حيث إنها تُظهر تركيا كدولة منهارة في الوقت الحالي. هذا التسرع يحتاج إلى تفسير، لكن هذا ليس المكان المناسب. لم تتردد المجموعة الجديدة في ربط القضايا المتعلقة بالزلزال بموضوع الانهيار، وأشاروا إلى عبارة "نظام الرجل الواحد" بالزلزال. وتصريحات داود أوغلو وعلي باباجان
تصب في هذا الاتجاه.
نعلم من تجاربنا الماضية أن ما يظهر ليس نوعًا جديدًا من المثقفين أو السياسيين. من الواضح أن عادة الشكوى من تركيا إلى الغرب تتطلب المساءلة عنها بجدية.
. لكن الأهم من ذلك هو ضعف ارتباط هذا النوع بالواقع سواء في الماضي أو في الوقت الحاضر. ولم يتغير هذا الوضع بعد كارثة الزلزال المدمرة في قهرمان مرعش. لم يتبنَ النوع الأوروبي من السياسين والمثقفين الأتراك اليوم موقفًا مختلفًا عن المواقف السابقة. بناءً على الصورة التي ظهرت بعد الزلزال،
حاولوا الصيد في الماء العكر وألقوا باللوم على الجميع ما عدا أنفسهم. في الواقع، اتخذوا الطريق الأسهل لبدء "العملية المؤدية إلى التمرد" بنية قلب الوضع المؤلم لصالحهم. لم يسعهم إلا أن يظهروا الاعتقاد بأن "ذلك الانهيار سيحدث هذه المرة".
تعود جذور المعارضة الفكرية والمناهضة للشعب إلى الماضي. في الواقع، بعد كارثة الزلزال، كان سكان المنطقة وكل تركيا على قلب واحد. ونتيجةً لذلك انهارت بعض التعميمات وبات واضحاً أن قدرة الأمة التركية على النهوض مرة أخرى لم تنتهي رغم كل ما حدث. القيمة الناجمة عن حالة التضامن بين أطياف الشعب التركي كبيرة جدا. نحن بحاجة إلى التركيز على أفضل أمثلة الصبر والثبات. يمكن لضحايا الكارثة والملايين الذين يهرعون للمساعدة أن يتحدوا في الشعور نفسه. وملاحظات أصدقائنا الذين يذهبون إلى منطقة الزلزال تصب في هذا الاتجاه. الأمة التركية تتسلم زمام القيادة من جديد. ليس عبثا أن الشاعر فاروق نافظ تشامليبل سار على خطى مرعشلي شيخ أوغلو وذكره في قصيدته.
لقد رأينا أن الذين في الخارج والداخل كانوا يعتقدون أن "الانهيار سيحدث هذه المرة في تركيا". اعتقدوا أن تركيا ستركع.
( يقول الشاعر التركي نجيب فاضل في قصيدته "صقاريا تركيا": لكن صقاريا مختلفة، هل تتجه نحو الصعود ؟ تم تركيب شحنة الرصاص على جسد من الرغوة) ربما لا يعرفون أن العزم الذي يشير إليه التفاوت بين "حمولة الرصاص" و "جسم الرغوة" الذي عبر عنه الشاعر نجيب فاضل في قصيدته هو أيضا فريد من نوعه في هذه الأراضي. لذلك، عندما يقودون حاملات الطائرات الضخمة نحو جغرافيا الأناضول، يعتقدون أن بلدنا ستكون ضعيفة حاملين أوهامهم وحماسهم الفارغ. إن اعتقادهم في أن الانهيار سيحدث هذه المرة قد خيب آمالهم و أذهل عقولهم أيضا. هذا هو بالضبط ما نعنيه بانفصالهم عن الواقع.
بعد سنوات من قصيدة الشاعر نجيب فاضل، لنتذكر بيتاً منها "يا له من اختبار صعب، صقاريا! كيف يحمل الكناري نسرًا بألف رأس؟.
نشهد بالفعل كارثة كبيرة. لكن هذه المرة ليس طائر "الكناري" هو الذي يحمل "النسر صاحب الألف رأس". وكما يقول الشاعر، اليوم هو الوقت الذي سنقف فيه على أقدامنا وننهض من جديد.