مزاعم موسكو بأن الهجوم بطائرات بدون طيار على الكرملين، هو "محاولة لاغتيال" الرئيس فلاديمير بوتين، يبين أن الاشتباكات والهجمات على المدنيين ستزداد في الفترة التي تسبق عملية الربيع الأوكرانية. ونفت إدارة كييف تنفيذها هجوم الطائرات بدون طيار حيث قالت إنها لا تسعى لاغتيال بوتين وأنها تركز فقط على الدفاع عن أوكرانيا. وهناك محللون أشاروا إلى أن الهجوم ربما نفذته خلايا حرب العصابات الأوكرانية داخل روسيا، بينما يرى خبراء آخرون أن الهجوم قد يكون عملية "علم زائف" من موسكو. وربما تم تنفيذ الهجوم أيضا لتخويف موسكو، التي استهدفت منشآت البنية التحتية في العديد من المدن الأوكرانية.
وعلى أي حال، فإن حقيقة إمكانية استخدام الطائرات بدون طيار لمهاجمة الكرملين تشير إلى وجود نقاط ضعف أمنية لموسكو وأن هناك عمليات عسكرية واسعة ومكثفة في الأسابيع المقبلة. وفي الفترة التي تسبق عملية الربيع الأوكرانية، التي ستحدد مصير الحرب، تشير التوقعات إلى إمكانية ازدياد الهجمات المتبادلة للحرب النفسية ضد أهداف مدنية وسياسية خارج خط المواجهة، كما رأينا في الأيام الأخيرة.
تشيراللقطات، التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن الهجوم لم يكن واسع النطاق، لكن لا يمكن في هذه المرحلة معرفة أن هذا الهجوم هو عملية علم زائف من موسكو أم هجوم من قبل عصابات الحرب الأوكرانية داخل روسيا. وليس مفاجئا أن يستخدم الكرملين الهجوم كذريعة لشن هجمات على أهداف مدنية داخل أوكرانيا. لكن موسكو لا تحتاج إلى مثل هذه الذريعة لتنفيذ غارات جوية على مدن مختلفة في أوكرانيا، وبالتالي فإن احتمال أن يكون الهجوم عملية علم زائف من موسكو أضعف من غيرها.
ومع ذلك، فمن المعروف أيضًا أن روسيا نظمت مثل هذه العمليات في الماضي وشنت حملات تضليل فعالة ضدها. فعند النظر لتصريحات الروس الأكثر تشددا كتصريح الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، يبدو لنا أن الهجوم يمكن استخدامه كذريعة لاستهداف الزعيم الأوكراني زيلينسكي مباشرة.
وفي نفس اليوم الذي نشرت فيه الصحافة الهجوم، أعلنت واشنطن عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 300 مليون دولار. وتشمل حزمة المساعدات ذخيرة مدفعية لراجمات صواريخ هيمارس ومدافع هاوتزر وقذائف الهاون. وكشفت تسريبات الوثائق عبر "ديسكورد" أن واشنطن، التي قدمت حوالي 25 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ بداية الحرب، قلقة أيضا بشأن نقص الذخيرة في أوكرانيا. وأعرب زيلينسكي عن عدم ارتياحه بطريقة دبلوماسية عندما سُئل عن التسريبات التي كشفت أن الولايات المتحدة كانت تتعقبه. وشدد زيلينسكي على أن المساعدات الأمريكية هي أولوية للعمليات العسكرية الأوكرانية، مشيرا إلى أنه يركز على تحرير البلاد من الاحتلال الروسي. وأفاد بعض المحللين أن كييف ستشارك معلومات استخباراتية أقل مما سبق مع واشنطن حول خططها العسكرية بعد التسريبات. لكن قلق الأوكرانيين الرئيسي سيكون احتمال وصول الروس إلى تلك الخطط.
وأظهرت تسريبات استخباراتية أن نجاح كييف على الأرض كان محدودًا نتيجة المشاكل في توريد الذخيرة العسكرية وتدريب الجيش الأوكراني. ومع ذلك، فإن حقيقة أن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة للروس على الأرض تمنح أوكرانيا ميزة وتشير إلى أن دعم الغرب سيستمر. وأدلى ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، بشهادته أمام جلسة استماع في الكونغرس الشهر الماضي بأن الروس تكبدوا العديد من الضحايا في باخموت، وأن هناك مجازر كان تجري في المنطقة.
ولم يتغير الكثير منذ نجاح أوكرانيا في مدينة خيرسون بشهر نوفمبر/تشرين الثاني العام الفائت. وبالتزامن مع احتدام المعارك في باخموت ولم يتمكن أي من الجانبين من إعلان النصر. بينما تقاتل مجموعة فاغنر للحفاظ على هيبتها في باخموت، تقول المخابرات الأمريكية إن الجيش الروسي تكبد خسائر بشرية تقدر بأكثر من 100 ألف جندي منذ ديسمبر/كانون الأول العام الفائت، بينهم 20 ألف قتيل، نصفهم ينتمون إلى مجموعة فاغنر.
وفي حين أن استمرار الدعم لأوكرانيا أمر مهم، فإن رفض منح كييف أنظمة الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المقاتلة التي تريدها يظهر أن الغرب يمتنع عن التصعيد المتبادل مع موسكو. على الرغم من دعم الغرب لعملية الربيع الأوكرانية، لكن من غير المحتمل أن يتمكنوا من تحقيق نصر حاسم على الروس بدون هذه الأسلحة الحاسمة. فمدينة باخموت هي في الواقع أهم مثال على ذلك. إذا فشل الجيش الأوكراني في تحقيق نصر حاسم في وقت لاحق من هذا العام، فقد تتحول الحرب إلى صراع مجمد يستمر لسنوات. وفي هذه الحالة، قد تكون الأمور لصالح موسكو في مواجهة كييف، التي تحتاج إلى دعم الغرب، الذي يبدو عليه أنه ليس في عجلة من أمره. ومع ذلك، إذا تقدم الأوكرانيون على الأرض، فإن صورة العجز التي خلفها هجوم الطائرات بدون طيار على الكرملين قد تتعزز بشكل أكبر.
دعم واشنطن لأوكرانيا بأسلحة متطورة أو إمدادها فقط بالمزيد من الذخيرة هو أمر حاسم في مسار الحرب.
إذا أدت الدبابات الألمانية، التي ستجعل عملية الربيع أكثر فعالية، النتائج المرجوة، فإن وصول الدبابات الأمريكية في الخريف لكييف سينصب في مصلحة أوكرانيا . ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان هذا سيكون كافيا لانتصار أوكرانيا بشكل حاسم.